تهريب نفايات صلبة إسرائيلية ودفنها في الأراضي الفلسطينية ظاهرة خطيرة ..بحاجة إلى معالجة
Author: ميسرة أبو حسنين
تهريب نفايات صلبة إسرائيلية ودفنها في الأراضي الفلسطينية
ظاهرة خطيرة ..بحاجة إلى معالجة
محمود أبو شنب
سلطة جودة البيئة
تعددت وتكررت المحاولات الإسرائيلية لتهريب النفايات الصلبة، ومنها النفايات الخطرة، ودفنها في الأراضي الفلسطينية، كأحد أشكال الاعتداءات الإسرائيلية السافرة
على البيئة الفلسطينية، وما زالت هذه الاعتداءات مستمرة ومتواصلة، بل آخذة في الازدياد، بحيث أصبحت ظاهرة تبعث على القلق. وباتت هذه الظاهرة، بالتالي، تستدعي الانتباه والاهتمام والمتابعة والمعالجة للحد من مخاطرها وحتى لا تتحول الأراضي الفلسطينية، خاصة تلك المحاذية للخط الأخضر، إلى مكب كبير للنفايات الإسرائيلية. فغالبا ما تتم عملية دفن النفايات الإسرائيلية المهربة في الأراضي الفلسطينية المحاذية للخط الأخضر نظرا لقربها من إسرائيل، وبالتالي سهولة وسرعة وقلة تكلفة نقل النفايات إليها. ويبدو أن شركات و”عصابات” منظمة تعمل في هذا المجال داخل إسرائيل وفي أوساط فلسطينيي الخط الأخضر وذلك بالتنسيق مع “شركاء” ومقاولين محليين في أراضي السلطة الوطنية في الضفة الغربية. فمنطقة الخط الأخضر، امتدادا من جنين شمالا حتى الخليل جنوبا أضحت عرضة لأن تتحول إلى مكب للنفايات الإسرائيلية من خلال عمليات التهريب المنظمة إلى هذه المناطق، في حالة عدم التصدي لهذه الظاهرة ومعالجتها قبل مزيد من استفحالها، آخذين بالحسبان ما تحمله من مخاطر حقيقية على البيئة الفلسطينية.
إن محاولات تهريب النفايات الصلبة الإسرائيلية إلى الأراضي الفلسطينية قد تكررت في مواقع ومناطق عديدة منها، على سبيل المثال لا الحصر، تلك التي تمت وتتم في قرى إذنا ودير سامت والمناطق المجاورة في غربي محافظة الخليل وقرية بتير غربي بيت لحم، ومناطق قرى غرب رام الله مثل نعلين، وشقبا وقبيا وبدرس وشبتين، وكفر لاقف في منطقة قلقيلية، وقرى شوفة وكفر جمال وفلامية في منطقة طولكرم، وقريتي جماعين وعينابوس في محافظة نابلس. هذا فضلا عن المكبات المستخدمة من قبل المستعمرات الإسرائيلية مثل المكب القريب من بلدة عرابة في جنين ومكب جيوس إلى الغرب من قلقيلية، ومكب أبو ديس والمكب بموقع كسارة “البجة” في بلدة الرام من ضواحي القدس.
يضاف إلى ذلك النفايات الصلبة الصادرة عن المستعمرات الإسرائيلية في الضفة الغربية والتي يتم التخلص منها غالبا في الأراضي الفلسطينية المحيطة. هذا إلى جانب ما تخلفه المصانع الإسرائيلية المقامة في المستوطنات أو على حدود الخط الأخضر من نفايات صناعية تشتمل على نفايات خطرة، علما بأن غالبية هذه الصناعات محظورة داخل إسرائيل نظرا لمخاطرها على البيئة والصحة العامة، ومن ذلك الصناعات الكيميائية والمبيدات الزراعية والمنظفات الكيميائية وصناعة الألمنيوم والجلود والبطاريات والبلاستيك والصناعات الغذائية والصوف الزجاجي والكحول والخزف والرخام وغيرها. وتشتمل نفايات هذه المصانع على نفايات خطرة مثل المعادن الثقيلة السامة كالكروم والرصاص والزنك والنيكل والأحماض والمعادن والتي غالبا ما تلقى في المياه العادمة الناتجة عن المستوطنات التي تصرف في الأراضي الفلسطينية المجاورة. ومن أبرز الأمثلة على ذلك النفايات الناتجة عن مجموعة مصانع “جيشوري” المقامة على تخوم مدينة طولكرم والتي تلقى في المناطق المجاورة ما يسبب تلويثها. فضلا عن النفايات الناتجة عن المستوطنات الإسرائيلية والصناعات المقامة فيها والتي تلقى غالبا في الأراضي الفلسطينية، وأبرزها تلك الناتجة عن مستوطنة “بركان” الصناعية المقامة على أراضي قرية بروقين في محافظة سلفيت، ومستوطنة “معاليه أدوميم” المقامة بمنطقة الخان الأحمر في القدس الشرقية.
واستمرارا وتجسيدا لهذا النهج العدواني، وتعبيرا صارخا عن السياسة الإسرائيلية في هذا المجال، نستذكر محاولة سلطات الاحتلال الإسرائيلي الشروع، بصورة رسمية، ومن خلال شركات خاصة، في إنشاء مكب للنفايات بموقع “كسارات أبو شوشة” الواقع بين قريتي قوصين ودير شرف غربي نابلس، حيث كان مخططا نقل آلاف الأطنان شهريا من نفايات منطقة الشارون والدان ومستعمرة “كدوميم” القريبة من الموقع. ولا يخفى ما لذلك من تأثيرات بيئية خطيرة على البيئة المحيطة بعناصرها المختلفة خاصة المياه الجوفية وآبار المياه، القريبة من الموقع والتي تزود عشرات آلاف المواطنين في المنطقة بمياه الشرب في مدينة نابلس وقرى قوصين ودير شرف وبيت إيبا وكفر قدوم، علماً بأن مستوى عمق المياه الجوفية في المنطقة يقدر بحوالي 250 مترا فقط. يذكر أن العمل في الموقع توقف بعد الضجة الإعلامية الكبيرة التي أثيرت والاتصالات التي جرت مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي حول الموضوع.
نفايات خطرة
أما من حيث طبيعتها أو نوعيتها ومكوناتها ، فإن النفايات المهربة تشتمل، على مزيج متنوع من مخلفات البناء والهدم والأخشاب والمعادن والدهانات والأقمشة والبطاريات وإطارات السيارات والألمنيوم وغيرها. فهي، بذلك، تشتمل على نفايات تصنف على أنها خطرة كبقايا الدهانات والبطاريات. وما يزيد من مخاطر ذلك، أنه يتم حرق هذه النفايات في كثير من الحالات؛ مما يفاقم من المخاطر نتيجة انبعاث ملوثات جديدة وسحب دخانية كثيفة تغطي مساحات واسعة حول المنطقة التي تتم فيها عملية الحرق. علاوة على ذلك، تنبعث روائح كريهة لا تحتمل تنتشر في محيط المنطقة. ومن الملاحظ أيضا أن أطفالاً يقومون بنبش هذه النفايات والعبث بها وهو ما يهدد الأطفال خاصة فيما يتعلق بصحتهم واحتمال انتقال بعض الأمراض لهم. تجدر الإشارة أيضا إلى أن هذه النفايات المهربة يتم دفنها، في كثير من الأحيان، ضمن أراضٍ زراعية، خاصة حقول الزيتون، أو بالقرب من الآبار الارتوازية والينابيع، أو المساقط المائية مما يزيد من مخاطرها المحتملة على البيئة وعناصرها.
وفيما يتعلق بتهريب نفايات إسرائيلية خطرة ودفنها في الأراضي الفلسطينية، التي تشمل نفايات صناعية مثل النفايات الكيميائية السامة من رصاص وزنك ونيكل وغيرها، ونفايات طبية ونفايات مشعة، فقد استخدمت الأراضي الفلسطينية طوال سنوات الاحتلال كمدفن للنفايات الخطرة الإسرائيلية من خلال عمليات تهريب منظمة. وقد تم رصد محاولات عديدة للتخلص من النفايات الإسرائيلية، ومنها نفايات المستوطنات، في الأراضي الفلسطينية،كما في حالات دفن نفايات صلبة في مكب قرية عزون قرب قلقيلية، واكتشاف كميات كبيرة من النفايات الخطرة السامة من بقايا المواد الكيميائية بالقرب من قرى عزون وجيوس وتل صوفين قرب قلقيلية، وتهريب براميل تحتوي على نفايات سامة مجهولة مهربة من إسرائيل إلى قرية أم التوت في جنين، وإنشاء مكب للنفايات الصلبة بالقرب من مستوطنة “يافيت” في غور الأردن بعد نقله من منطقة العفولة داخل إسرائيل.
وهناك شكوك ومخاوف من أن إسرائيل تقوم بدفن نفايات خطرة في المنطقة البرية شرقي بلدة يطا جنوب شرقي الخليل. هذا فضلا عن المضار الناتجة عن إجراء التجارب النووية في منطقة خليج العقبة واستخدام اليورانيوم المستننضب (Depleted Uranium)، ذي الأضرار الجسيمة على البيئة والصحة العامة، خلال انتفاضة الأقصى الأخيرة.
مواجهة الظاهرة
لمواجهة ظاهرة تهريب النفايات الإسرائيلية إلى أراضي الضفة الغربية، بالتواطؤ مع متعاونين محليين، لا بد من تضافر جهود كافة الجهات الفلسطينية المعنية بهذا الموضوع مثل المجالس المحلية ووزارة الحكم المحلي ومكاتب المحافظات والشرطة، لوضع حد لهذه الظاهرة الخطيرة والمدمرة للبيئة الفلسطينية، وأن تتخذ إجراءات ملموسة في سياق التصدي لهذه الظاهرة ووقفها وردع ومعاقبة المتورطين فيها، وبما يؤدي للحيلولة دون أن تتكرر وتتفاقم وتتوسع وتزداد خطورة. وفي هذا السياق يمكن اقتراح ما يلي:
1.زيادة الاهتمام والتعريف بهذه الظاهرة على المستويين المحلي والوطني وإشراك كافة الجهات المعنية الحكومية والأهلية والمنظمات الدولية العاملة في الأراضي الفلسطينية.
2.تشكيل لجنة وطنية لمتابعة الانتهاكات الإسرائيلية للبيئة الفلسطينية، ومنها تهريب ودفن النفايات الإسرائيلية الصلبة والخطرة في الأراضي الفلسطينية.
3.التأكيد على أن تتحمل كافة الجهات مسؤولياتها في هذا المجال، بما فيها الأجهزة التنفيذية المختصة، مثل جهاز الشرطة، بمتابعة المتورطين واتخاذ الإجراءات المناسبة والرادعة بحقهم.4.تسهيل وتسريع الإجراءات القضائية في حالة اللجوء للقضاء ضد المتورطين في هذه الظاهرة.
5.متابعة الموضوع مع الطرف الإسرائيلي من خلال اللجان المعنية (لجنة المياه ولجنة البيئة، على سبيل المثال) ومن خلال وزارة الشؤون المدنية ودائرة شؤون المفاوضات والمستويات السياسية العليا، بحيث تكون هذه القضية والقضايا المشابهة (بشكل محدد وموثق بالمعلومات والحقائق والصور) على جدول أعمال اللقاءات المشتركة، مع ضرورة محاولة إلزام الطرف الإسرائيلي بتقديم إجابات واضحة ومحددة وحلول مناسبة.
6.التقدم إلى الطرف الإسرائيلي بدفع تعويضات عن الأضرار البيئية التي تنجم عن هذه الممارسات، وفي حالة عدم الاستجابة، تتم دراسة إمكانية التقدم إلى أطراف دولية أو إلى المحاكم الدولية (محكمة العدل الدولية مثلا) على غرار ما تم بخصوص جدار الفصل العنصري، بحيث يتم توثيق كافة حالات ومجالات الانتهاكات الإسرائيلية في مجال البيئة في كافة أرجاء فلسطين. وربما يلزم تشكيل لجنة قانونية لدراسة ومتابعة هذا الموضوع في جوانبه القانونية.
7. تنظيم حملة إعلامية لإثارة هذا الموضوع على مختلف المستويات وكشف وفضح الممارسات الإسرائيلية، فيما يتعلق بالتأثيرات الضارة لهذه الممارسات الإسرائيلية على عناصر البيئة الفلسطينية وعلى صحة الإنسان الفلسطيني وحياته.
تدمير بيئي متعدد الأشكال
لا يقتصر التخريب الإسرائيلي للبيئة الفلسطينية على دفن النفايات السامة والخطيرة في أراضي الضفة الغربية، بل، واستنادا إلى الوقائع الملموسة، يمثل الاحتلال الإسرائيلي مصدر الضغط والتهديد الرئيس والعدو الأول للبيئة الفلسطينية، كما هو للشعب الفلسطيني؛ ممّا يهدد بمزيد من تلويثها وتخريبها وتدميرها. وهو ما يوصلنا إلى نتيجة مؤداها أن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي يشكل شرطا رئيسا وضروريا لوقف تدهور البيئة الفلسطينية، وتحريرها من أهم الضغوط التي تتعرض لها. يتجلى ذلك من خلال الاعتداءات والانتهاكات والممارسات الفظيعة والضارة بالبيئة الفلسطينية، ومن خلال السياسات الإسرائيلية المنهجية الرامية إلى إلحاق الأذى بالإنسان الفلسطيني وبيئته. ومن أهم أشكال هذه الممارسات:
تدمير وهدم البيوت والمنشآت؛ وتدمير البنى التحتية من طرق وشبكات مياه وشبكات اتصال وكهرباء وقنوات الصرف الصحي وغيرها؛
وتجريف الأراضي، بما في ذلك الأراضي الزراعية واقتلاع وتدمير المزروعات والأشجار واجتثاث الغابات والمناطق الحرجية؛
واستغلال واستنزاف المصادر الطبيعية، خاصة المصادر المائية؛
وبناء وتوسيع المستوطنات وشق الطرق الالتفافية والاستيطانية؛
والاستمرار في المشروع الاستعماري المتمثل في بناء جدار الفصل العنصري بما له من تأثيرات بيئية ضارة متعددة ومتنوعة؛ وصرف المياه العادمة المتدفقة من المستعمرات (المستوطنات) الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية؛
وإقامة الحواجز وتقييد حركة المواطنين وإجبارهم على سلوك طرق ومسالك بديلة، وهي في غالبيتها العظمى طرق ترابية ووعرة وغير مؤهلة؛
وتهريب النفايات الصلبة والخطيرة ودفنها في الأراضي الفلسطينية؛
وإعاقة برامج وخطط السلطة الوطنية الفلسطينية في مجالات تطوير البنى التحتية وإدارة النفايات الصلبة والمياه العادمة وعرقلتها أو تعطيلها أو منعها من إقامة وتنفيذ المشاريع الخاصة بهذه القطاعات.
هذه الأشكال المتنوعة من الاعتداءات الإسرائيلية على البيئة الفلسطينية تتكرر بصورة يومية. ولا يخفى ما لهذه الاعتداءات والممارسات العدوانية من عواقب خطيرة وتهديدات حقيقية تلحق أكبر الضرر بالبيئة الفلسطينية، وتؤدي إلى تلويث وتدهور وتدمير عناصرها المختلفة من ماء وهواء وتربة، واستنزاف مواردها. كما أن السياسات الإسرائيلية العدوانية تسهم في عرقلة وإعاقة تنفيذ برامج وخطط ومشاريع السلطة الوطنية الفلسطينية الهادفة إلى إعادة تأهيل البيئة وحمايتها. ويشكل ذلك انتهاكا صارخا لكل المواثيق والمعاهدات والاتفاقيات الدولية منها والثنائية، ومنها اتفاقيات أوسلو، التي تضمنت ملاحق خاصة بالبيئة تؤكد على ضرورة حمايتها.